Sunday, September 9, 2007

الرحيل المر

الرحيل المر...قصة وطن يلفظ ابناءه



لأنه هكذا ..اسمه ال ........ عراقي
هكذا ..ليست اسطورة ولاحكاية قبل النوم بل دمغة على الجبين............. فاقبلها ايها الكائن
ومضى كما يدرج كل كائن في سيرورة مغلقة على اسراراها
العراق هو العراق والدولة هي الدولة وانت هو انت لااكثر ولا اقل
انت هنا او هناك في صقع او بلقع اوفلاة او بر او سهل اوجبل موشوم بالضرائب كما هي الدمغة على الجبين
الضريبة الأولى : هي ضريبة القبيلة / الدولة...والقبيلة مجازا هي (غزية)...
وهل انت الا من غزية ان غزت ..غزيت وان ترشد غزية ترشد
تحمل معول الهدم ساعة شاء سادتنا وكبراؤنا
وتحمل معول البناء ساعة شاؤوا
(وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) الأحزاب 67-68
ولكن من انت ..وفيم انت ؟
ماموقعك في الخريطة الجينية للوطن المجهول ؟
ساعة غزت القبيلة/ الدولة وحملت روحك صافية هدية للقبيلة / الوطن
وما وجلت ولاارتعدت فرائصك ولسان حالك يصرخ : كلنا للوطن
وحاربت ...... حاربت طويلا وطويلا جدا
حتى امتصت الحرب آخر رحيق فيك وخلفت فيك الشيب وعلامات الشيخوخة
ويومها قلت كما قال الصائغ :
(تعبت من الجري خلف المواكب
سلاحي على منكبي وابحث عن سبب لأحارب .....)
ياللهول ..هل مفرقة الأهل والعيال ومخربة الديار ومقطعة الأكباد ومشردة الصغار..الكريهة ..الحرب كما سماها العرب الأوائل ..هي كما هي ..مجرد سبب لكي يصدر البيان الأول ؟
مرة ...قبل حين تفقدني شبه صديق ..وارسل لي ايميل ..
فتكاسلت عن الرد ..كما ان ذاك الكائن يذكرني بحقبة سوداء اريد ان امحوها من ذاكرتي ..كما اني اتذكر له كلمات ومواقف اريد ان انساها ايضا............
ولكن يبدو ان العقل الممنهج على خوض الحروب حتى مع النفس يأبى الا ان يمضي الى مساره
اذ ارسل لي ذاك الرجل ايميلا لاحقا ابتدأه بالحمد والتسبيح ثم بآية قرآنية ثم اعلن قراره بشأني...الى آخر القرار
لكنه كان قرارا يشبه بيانات الحرب تماما : الديباجة ، الآيات المفصلة المختارة خصيصا وبعناية بحسب الحاجة ، ثم القرار...
واذا ..لقد تلبست الحرب وبياناتها وديباجاتها في الكائن الشرس المريض
وهكذا ..
صحا الكائن المسالم على انفضاض الكابوس ..كابوس الحرب
وظن واهما وأي وهم ..ظن انه ساعة انفضاض الحرب سيكرمه الوطن ويعزه
يبني له صرحا يسميه بأسماء المحاربين الشرفاء الأشداء
ثم تنازل عن الصرح ورضي بمنزل صغير ولو في فلاة ..يضمه مع امرأة طيبة واولاد كحمائم السلام
ثم تنازل عن البيت في البرية الى عمل لائق بكرامة المحاربين
ثم تنازل عن هذا ..ورضي ان يقال عنه انك محترم وكريم ..وتستحق التكريم والأحترام
ثم .............
ثم..............
ثم..............
وجد الوطن منهوبا ممزقا ..لايقوى على لملمة ذاته الحزينة
ووجد ان حروبه ..وكبرياءه القديم كانت اضحوكة سمجة
وعليه اليوم ان يغادر الوطن الى غير رجعة ...
..........

في وسط هذه التراجيديا ..وعلى شفير اللحظة التي يلفظ فيها الوطن ابناءه ..كتبت له ..الى الحب الأول والآخر ..الوطن ... الجرح الذي لايندمل ..العراق ..قلت له :
( قبل عامين او ثلاثة اعوام من الآن
كنت اقطف السوسن
اصنع قلائد من اجل جيد الوطن
حسبته ارجوحة للعامة
ومرضعة تطوف الأماكن
حسبته بغلا او حمارا يحمل اسفار الغرباء ..ابناءه
حسبته ابا مفتول الشارب يلوح بعصاه للتاريخ
حسبته اما تدور مع دائرة الرغيف
قبل عامين من الآن
رأيت الوطن معلقا على الجسر المعلق
وقلت : ستحط قوافله
وتدب صغاره
يعبرون الجسور المقطعة الى المدارس
رأيت الوطن على ابواب وزارات محترقة
نحيلا يمد يده للسماء
وقلت ستصدق وعود الآباء المؤسسون
وستصدق نيويورك تايمز ...
وستصدق سي ان ان...
وستصدق يو اس اي تودي ...
وستصدق بي بي سي ........
وستصدق ... وستصدق ....
ورحت اطعم الوطن كلاما
واسقيه خطبا
ونمت معه على ارصفة الثورات
تدثرنا بالرضا
واكتفينا بحسن النية
لكن الوطن المعلق ظل معلقا
والآباء المؤسسون علموا الوطن اصول النفاق
سرقوه ...وهو يمد يده للسماء
وحيدا ..كان يتطلع في الفراغ ......)

..........................................................................

من هنا بدأت رحلة المستحيل
لاجديد في القول ان كل هذا جرى غب 1991
اصدقائي الكثر في العديد من ا لمنافي لفظهم الوطن منذ ذاك التاريخ
ومسخ السلاطين اسماء الأولاد الطيبين الى صعاليك يترنمون بخراب وتآكل يمضي في جسد الوطن منذ
1991

في الرحيل المر:

هو برنامج / فيلم وثائقي عرضته احدى الفضائيات قبل ايام يقدم صورة بانورامية لأولئك الذين لفظهم الوطن دون ذنب وتنكرت لهم كل الحكومات منذ عقود وحتى اليوم ...تنكرت لهم هذه الحكومات يوم احتقرت آدميتهم وسلبتهم حقوق المواطنة
مشهد 1: رجل اقترب من خريف العمر يروي قصة تهجيره ويحاول ان يستجمع كلماته واحاسيسه ليقول : احب العراق ..ثم تختلط كلماته وحروفه بنشيج مر وتطفر دمعة حرى على الشاشات
مشهد2: شاعر يحكي حبه لجواز سفر الوطن ..وكيف انه يتنقل على ابواب السفارات منذ سنين في لهجة بالغة القتامة والأسى وصدق الأحساس...
مشهد 3 : رجل يحكي قصة طفله الذي احرقت جسده قنبلة حارقة ابان الأحتلال وانه اجرى للطفل عشرة عمليات جراحية : ازيل في احداها التصاق وجه الطفل بكتفه ، وفي الأخرى جعل ذراعه قابلة للحركة ..لكن وجه الطفل البريء المصاب بحروق فضيعة يحول دون التحاقه بالمدرسة ..كما ان الأب استنفد ماله من اجل اجراء عملية اخرى ..ثم يبكي
كلهم بكوا .....
كلهم يبكون ....على الشاشات
ترى لماذا صارت دمعة هذا العراقي اكثر من رخيصة امام انظار العالم اجمع ؟
لماذا تحول الرجال المحاربون الأشداء بالأمس الى طالبي رحمة هذا الكون ؟
في الرحيل المر ........
كان هنالك عرض بانورامي شاسع لمجتمع النزوح والشتات العراقي
مجتمع يمضي الى غايته المجهولة في كل منفى
لكنه في المنفى السوري اشد مرارة
ففي وقت بلغ تعداد هذا النزوح المليون ونصف المليون تقريبا
قبلت الولايات المتحدة.....مثلا ... استضافة بضعة مئات بشرط ان يكونوا علماء وبشهادات عليا من جامعات عالمية ...
........

الكل من ابناء يعرب قلبه على العراق
ولكن قليل جدا من يتخيل يوما يكون فيه جاره في المسكن عراقي نازح مشرد
او ..........عزيز قوم ذل...حاشا وكلا
الكل يدبج بيانات في حب العراق
وقليل من يريد لهذا العراق ان يخرج من كابوسه المرير وليله الطويل
....
في الغيتو العراقي الجديد ...حمل ذاك العراقي على كاهله موسوعة الحرب
ترك لعشاق التمثاثيل والجداريات تغنيهم بمقولة: احنة مشينة للحرب
وكأننا ماشون الى نزهة سابقا ولاحقا
ولهذا صار سهل يسير ان يضغط عراقي ضال على الريموت كونترول ليبيد بضعة مئات ممن شاركوه في الجبهات فيمزقهم عن بكرة ابيهم
وصار سهلا ان يقتص عراقي من بضعة عراقيين ذبحا بلا رحمة وتهجيرا وترويعا
كلهم عادوا من حروب القبيلة/ الدولة متساوين
لكنهم مختلفون في التعبير عن الجريمة المزينة بالآيات والخطب وديباجات الوطنية
ولهذا كان الرحيل المر...قصة وطن يلفظ ابناءه ............