Thursday, September 13, 2007

احدث نص
طيور المساء
في الوقت نفسه من العام، في الذكرى التي تمر هكذا، بكل صمت ووقار، في الوقفة الجليلة التي عليه ان يقفها الآن. هو وسلالته وتاريخه. شجرة العائلة من خلفه وصورته على المرآة امامه. وشعاع النور القادم من النافذة يصبغ جانبا من وجهه.
لايدري في اي عمر هو الآن. لكن المؤكد انه الوقت نفسه من العام ، الظهيرة الشاتية، والليل المطير ، والذكرى.
حفل المساء بمسيرة العسكر ، ومرقت البساطيل من امام النافذة صعودا الى الطبقات والسطوح العليا. مر العسكر على المكان وكانت همهماتهم وقعقعة سلاحهم تمثل جوقة اعادت اليه الذكرى نفسها.
الورقة الملوثة ببقع الحبر طمست خارطة المكان المنشود. وهاهي امامه قد اختفت تحت طبقات التواقيع اسهم الأتجاهات. وارقام الهواتف التي عليه ان يتصل بها حال هروبه من المدينة.
اوان الهروب كانت لحظة دقت فيها الساعة معلنة قدوم العسكر وتسلقهم الجدران واستقرارهم في الحجرات والممرات الداخلية.
كان ليل كانون الذي حمل له الذكرى قد حمل معه احساسا جامدا هو مزيج من الرغبة في الخروج والرغبة في التماس الدفء. .
لاسبيل امامه للأفصاح عن حواسه وكينونته. ولا التعرف على ذاته وعمره. سوى انه مؤطر بمربع مغلق لنافذة ربما كانت في قارة من القارات ، في بلقع او فلاة ، في مساحة مقفرة وجافة ، او حتى مدينة من مدن المنفى الأختياري. اللاجئ السياسي ورقمه (11111) ودفتر تنظيمه وشهود الوقائع. مرت وجوه الخبراء من امامه. كما مرت قامات العسكر. النزول الى الأرض تكاملت مع تقادم الحشود على الشاشات احتفاءا بالرايخ الرابع ، الكل يساوون الكل ويؤمنون بالطريق والثورة والتاريخ. الشاشات تحمل اخبار اللقاء المشهود. الأولاد الصغار مثل رسوم متحركة يلوحون بباقات الزهر ، الأمهات هناك عند قدور الطهي.
حشد من النساء بوجوه موردة. نساء بدينات وأولاد اصحاء في ساحة الرايخ الرابع. مجرد فيلم على الشاشات. .
اما هو فقد كان لصيقا بموسوعة يجري احضارها : الطريق الى الأمة.
مر العسكر قرب النافذة. كانت بوصلة الأتجاهات قد اشارت الى كتل الحديد والمغناطيس والزئبق والفوسفور. تأثرت البوصلة بالأجواء الكهرومغناطيسية ، فيما هو يرمق الشاشات بلا ادنى رغبة في الأنفصال عن الجدار. .
السواد الذي غلف كيانه. كاملا بعد ذهابها والجدار الأبيض الذي تم دهنه مؤخرا. قبيل ذهابها بقليل. .
كان مطلبا من مطالب عدة. ان تمحى التواقيع والأسماء والتعليقات والرسوم والرموز من الجدار ويدهن بدهان ابيض.
وها هو نموذج داكن تماما على جدار ممتد ليفصل المكان عن ساحة الرايخ الرابع والشاشات وعن الأمهات البدينات وعن.
مرت الذكرى. وتغلغلت في المكان. وكان عليه ان يعيد رسم اي شيء يدل عليه.
انا. عابر سبيل. ياسيدي.
انا اعيد استذكار. .
من ؟
الأجندة تقول انه كائن داكن. خرج من حرب ما. هكذا.
المخلفات التي وجدت عنوانها : الطريق الى الأمة. الأولاد الصغار الذين يعرضهم خرجوا الى ساحة الأستعراض وظهروا على الشاشات ثم غابوا. وهي احتضنتهم مثل كل ام. وغابت معهم. بعد ما بقي هو متشبثا بالجدار. غابت ربما هي في اسكندنافيا. او قريبا من القطب المتجمد. .
مرت بساطيل العسكر عبر النافذة. وتصاعد صوت الطبول وأبواق الأستعراض. مرت قافلة من طيور المساء.
انفتحت النافذة ومرت بساطيل العسكر بكثافة الدود الذي يسير على ذراعيه وهو يدب في الذاكرة واهنا ساكنا. البوصلة تدور بالقرب منه والجدار الأبيض تملؤه الثقوب.
في المساء الخريفي اسدل الستار واوصدت الأبواب والبوابات الخارجية ومر حشد من الأباطرة ثم نزلوا عبر سلالم حلزونية الى مساحة من اسفل المباني المكتظة. مساحة كانت بالأمس مستودعات لمجتمع المكان وصارت اليوم متحفا للتاريخ.
وانتشر موظفون وموظفات نشيطون بأزياء موحدة. وكأنهم جزء واحد متحد مع الألات والأجهزة.
لم يكن مهما التعرف على اللهجات واللغات والملامح والأزياء فقد كان المشهد شبه كرنفال لأمم واقوام متعددة. بينما كان العسكر من حوله وهو يغيب تماما عن المشهد
.
اللوحة : مهداة من الفنان التشكيلي العراقي ستار كاووش