Sunday, August 26, 2007

شعرية الزمن في صعود القمر : بقلم د.حسين حمزة

شعرية الزمن في صعود القمر

الدكتور حسين حمزة
كلية التربية – جامعة بغداد

1- نحمل اللغة اشارة سمعية / صوتية تفرض بعدا فضائيا له دلالة ووظيفة رمزية . وتسهم هذه الأشارة في اسبغ البعد الزمني على اللغة فضلا عن الكتابة ولاشك ان العمل الأدبي الذي ينطلق من اللغة ويتجسد بعدا مكانيا في الكتابة يحمل الخاصية الجوهرية للغة والكتابة ونعني بهذه الخاصية بالبعد الزمني . وقد اشار غريماس الى ذلك بقوله ان العناصر الجوهرية للقصص تنطلق من العناصر الجوهرية للنص , فالأنسان هو حيوان ناطق ... ولهذا يتحتم على البنى الجوهرية للغته ان تحدد البنى الجوهرية لقصصهوأن تقر اشكالها(2/55).
ولما كانت الشعرية خاصية ذاتية / داخلية في العمل الأدبي فأن المدرسة النقدية تحاول الكشف عن دلالة الشعرية وبيان مفاصلها في النص الأبداعي ,ومجموعة القاص طاهر عبد مسلم علوان "صعود القمر " تفرز انماطا وتجليات في الصياغة الزمنية اضفت شعرية الى قصص المجموعة وفي هذا البحث تتلمس بعض من تجلياتها الزمنية من خلال المشهد والتلخيص والحذف والأسترجاع .
2- يعد المشهد اسلوبا شعريا مهيمنافي بناء قصص هذه المجموعة . هو " فعل محدد – حدث مفرد يحدث في زمان ومكان محددين يستغرق من الوقت بالقدر الذي يكونفيه اي تغيير في المكان او أي قطع من استمرارية الزمن ..." ( 3/ 78 )
ومن ثم فهو ليس تقريرا عن الحياة وأنما اسلوب يبين الشخصيات داخل النص وبذلك يختفي صوت الراوي المشهد وعن التعليق فهو يحمل عدسته ليصور الحدث ؟ الفعل .
وييتعادل الزمن في المشهد مع زمن السرد ، وزمن لحكاية او الحدث المرصود المقدم للمتلقي في المنى الحكائي . لأنها تصور افعال الشخصيات على نحو مقرب بما يماثل اللقطة السينمائية" .( 3/78)
ويبدو ان ها القرب من الشخصية سمح للقاص ان يستغل امكانيات المشهد الى اقصى مدى . وأن يجري تحويرا في مساحته المكانية وذلك في تغيير مكان الحدث . فبدت قصصه وك أنها حدث آني مسرود من الراوي والآخر ماضي يقدم من خلال المشهد ولنا ان نسمي الأول حدث السرد . الذي يحمل مهمة مزدوجة فهو يبث لنا حكايته ، ثم يفؤض على الراوي وعلى المتلقي البحث عن الماضي الذي نسميه الحدث الأساس / او الأصل العميق الذي يكشف حجم لمعاناة النفسية التي تعاني منها الشخصيات . وكأن ثمة اقتران شرطي بين المعاناة في حدث السرد ، يستدعي حفرا في المعاناة وأصول هذه المعاناة في حياة الشخصية المأزومة . اذ أن شخصيات المجموعة القصصية يعانون من الأزمة .
ووجدنا ان القصص غالبا تبدأ بالمشهد الأستهلالي الذي يصف المكان او زمن حدث السرد , ففي قصة صعود لقمر كان المشهد على النحو الآتي :" تكونت على لستارة مرعات ضوئية صفر شاحبة ، وتسلل الشعاع من اسفل الشباك ، كانت الغرفة ساكنة تدور في سقفها مروحة كسول ، تتبع دوران اذرعها ظلال قاتمة صارت تكون غلالة من العتمة في السقف ......" (ص9).
وأذا كان الوصف يمهد للعتمة النفسية في وصف موقع الشخصية / المرأة في وسط الغرفة وهي وحيدة . تتطلع الى الآخرين وتتأمل من خلال عيني ووعي وعدسة تلك المرأة فأننا نتعرف على مشهد آخر فيتحدد زمن الأستهلال وقت الغروب " مربعات ضوئية صفر شاحبة " بعدها نرصد المشهد الآخر من خلال المرأة " تلوح على سطح الدار المقابل فتاة بيضاء ......(ص9)
والمرأة تؤدي بالمرأة الأولى الى استرجاع حياتها بمشاهد قديمة تتعلق بزواجها " دوى النقر على الدفوف والدرابك ..."(ص10)
ومن ثم تتوالى المشاهد . فيتغير المكان ولكن الزمن يمتد الى الماضي ليمثل وحدة متكاملة . وأكمال لحدث السرد من خلال ذكر الحدث الأساس / الأصل . وفي هذه القصة يمتد الزمن مرة اخرى ، بالمشهد فيكشف حدثا آخر وبعدا زمنيا جديدا فتظهر علاقة المرأة بأبيها . ومن هنا فرض حدث السرد تقديم الأصول . فتحقق امتداد زمني / ماضوي كشف عن معاناة وضغط تعيشه الشخصية .
ونجد مثل هذا البناء في قصة " رجل وأمرأ ة" اذا بدأ المشهد الأستهلالي / وحدث السرد في الرحلة / الأنتقال لتحقيق الرغبة ومجاورة الضغط النفسي لكن الحدث الأساس / الأصل الذي يظهر في المشهد التالي لمشهد الأستهلال يكشف عن الأزمة والمعاناة التي تشعر بها الفتاة جراء عمل والدها " رجل يدفع عربة يمسك بأصابعه المتشنجة خشبا متآكلا ويحفر بقدميه التراب ، يندفع هاتفا ... ياألله (....) اتراه اباك ؟ انه يشبه ابي بل هو ابي ....
وبذلك ظهرت علاقات الحضور الذاتية ، بالحدث الذي يبثه السرد منذ البداية فيحمل الرغبة والأمل " حاولي ان تستجمعي من شجاعتك فتدخلي ....المصطفة مع الماضي .. ماضي الأب .