Sunday, August 26, 2007

عذابات فرجينيا وولف VIRGNIA WOOLF ANGUISHES


عذابات فرجينيا وولف


بدت رحلتها عادية ,. تكرر تتابع الشجيرات المحاطة بغلالة الضباب , الشارع المغسول بالمطر , ربما هطل المطر وهي نائمة, هي والعربات العتيقة باتجاه واحد , ثم حلم قديم , هي تغلق باب المنزل في هدوء , تحمل حقيبتها , حيث لامجال للنظر ابعد من خطوات بسبب الضباب .
حاولي ان تستجمعي شجاعتك فتدخلين , تتفرسين في وجهه وتحملقين في النمش المتكاثر على انفه , يرفع عينيه عن الورق وينزل سيل طلباته اليك , هل يبدو بشعا او مزعجا ؟ ثمة كواكب مجهولة نائية بعضها خراب وتراب وخواء وحولها مجرات تدور وانجم تطوف وانت تحملين رؤيتك للحالة كلها . انهمر يامطر تشرين , ايها المدى الممعن في تلونه القاتم , اختصري الطريق , ادخلي , الحصى المنثور في البحيرة كحبات اللؤلؤ, كل يوم حصاة , تنحني , تحمل واحدة , ترميها , آه ... انها لاتصل, ان عمري قصير , لقد انقضى يوم آخر , شعرت بشحنة انكفاء , رجل يدفع عربة ويحفر بقدميه التراب , يندفع بعربة الرمان , من يكون ؟اتراه اباك ؟ انه يشبه ابي , بل هو ابي ولكن لايروقني النقاش , وهو ينز عرقا ويلهث مثل حصان هرم اعيت اطرافه الدورة اليومية , ربما اتجاهله وابتعد عنه بالأنغماس مع فرجينيا .
ماذا دهاني ؟ في اية دائرة غامضة اندفع وفي اي ضلال ؟ جدار حجري غلفته اضواء برتقالية وانحنت قربه اغصان شائخة , تدخلين اليه , تحملين دفاترك الصفر , تنظرين في عينيه , ماذا ....؟ اليس غير ان اتحسس كفيك الصغيرتين , اليس غير ان تختبئ كفي وتنأى عن برد يضرب الجدار ؟ اين اخبؤها من برد الزمن ؟ تلك الكف المرتبكة المرتعشة كجناح فراشة اعياها السفر في طرقات منداة وممرات مثلجة وهي وحيدة , الخروج من كراج المحافظة في الساعة ... احشري جسدك في القافلة .. وتحملي النظرات التي تجردك من آدميتك , انشري جناحيك واكتبي كل شيء , الباعة ينادون ويفرغون الثمار , كرات حمر وبرتقالية , واسطوانات خضر وباقات صفر وذبول ويفاعة وطين وثمار لزجة وصناديق وامرأة تنظر خلسة في مرآة صدئة وتضرب على صدرها ( اللعنة عليك ) , وترمقه من بعيد وهو يدفع العربة المحملة بالرمان .
احتملي كل شيء , اب يدفع العربة وام تحتضر وكلاهما على الخشبة وانت المشاهد الوحيد , في المشهد الأول يرفع الستار : احتملي تلك الصرخات المكتومة القادمة من الجوقة فيما الأم تحتضر , ساق من الضوء تمتد باتجاه السقف قرب الرأس , وقع قديم , مثخن , عويل متحشرج عند البيوت المنزوية , قرأوا وسبحوا قربها , وانت تحملقين في الوجه الذي اغتسل توا , اجتمعت قرب الجبين زهور برية وفراشات وسهوب وسفر طويل , هل تشممت ذلك العبق المختلط بالديمومة والزوال ؟ اتراك قبلت برحيلها ؟ انفض الحشد بعودتك مثقلة الخطى وانت تصنعين الفشل او تقترفينه او توصمين به لأول مرة , ولكنها باقية , كانت تقويك على اجتياز المسافة من جديد , ظلت تواسيك , اعادتك للمهد , وسرعان ما لملمت اشياءها كما تلملم السماء الغيوم وتحشدها وتلقي الريح نذرا بالعصف والمطر , كذلك هي , مرت مسرعة ونادت عليهم وعندما انزلوها الى الأرض السفلى وسط تباشير المطر دوى في الأفق صدى التقائها برحم الأرض وانتفض الخريف بقافلة من الطيور الآيبة وسحابة من الورق الأصفر , هاقد رحل الزهر البري والسهوب والبر والسفر الطويل وها انت ملفعة بغمامة منذ زمن , تحرقين ذلك الظلام وتعودين من جديد.
لماذا تجيئين كل يوم ؟ اما من سبيل غير ذلك ؟ ان تصعدي السلم وتطرقي الباب مرتبكة مترددة وتفتحيه بصمت , وتدخلي وهو يدخن ويقهقه والأخرى تهمس بالقرب منه وعطرها يضوع , تفاهة , انوثة رجراجة مثل مزق من القماش , هو محاط بضباب الأكاذيب , والعمر الجميل المنثور على طاولة المدير ذاته , هل له القرار؟ , تنتشي برموشها الطويلة وفستانها الضيق , الخانق , اخرجي الى الهواء , اخرجي الى عاصفة مخبأة في اغصان الشجر , حددي الأمر , الأنك دخلت الماء مرة ؟ وحسبت انك ستعومين بمرونة وستقيمين طويلا , وستعبرين من ضفة الى ضفة بمهارتك انت , ان تبرح امرأة مهدها , ان تبرح الندى على شفتيها , تسكبه في قيظ بلا انتهاء , قررت انت ان تفتحي الباب بنفسك لتسمعي الزغاريد وتكتبي ( قبلت بك زوجا ) زوجة غير مهم رقمها المتسلسل , ونزلت الى الماء بعدها , ولم تحسبي ان ستظهر لك القيعان فجأة , حيث انحسرت المياه وجاءت الريح , وتركت دفاترك , تركتها تضربها الريح وفستانك يتطاير وانت تركضين وثم وجه متغضن يرمق تعثر خطاك منتشيا ثم عدت اخيرا لمهدك بعدما احرقت الورقة واسكت الزغاريد وعدت الى مدخل المتنزه والجدار المحاط بالأضواء البرتقالية , اكتبي لنفسك , هذه انت رافقتك عذابات فرجينيا وولف منذ ايام الأدب الأنجليزي وحتى الطلاق , ارسمي المسار من اوله الى انتهائه , لكنهم ظلوا ينظرون لك , والمجاور يقول انها هي التي , تركته بعد شهرين , اختصروا ملامحك وجلستك والزمن , سنتين ام شهرين ؟ يحاط الرأس بصداع وزغاريد واوراق تدعك وترمى , والسيارة تسير وتتابع في اندفاعها الأعمدة المكررة : ( المدينة تودعكم ) , ( اهلا بكم في المحافظة ) , ( افحص اليوم ولا ترمم غدا ) , ( تدبير اليوم لضمان الغد ) , وانت تتهاوين , مربعات حجرية تؤطرها حشائش منداة , مقاعد خشبية على الجانبين كما هي على الخشبة بالنسبة لفرجينيا وولف , اذرع الشجر تحف بك , جزءا من الكابوس المعتاد, ( نادوا على شهود العقد , يقصد بائع الرمان , ابي , سيأتي محمولا على عربة سحرية كبساط علاء الدين , يحمل تعويذة الفقر الطويلة ,, الفقر الذي كان يتوسده ونلتحف به نحن ويفاخر بالنظرية وثمار الفقر الطرية على طريق السياسة المستحدثة في طول الزمن وعرضه ... حتى ظهر المنقذ , هذا ...زعيم افتراضي مجهول ...عقل بطريركي من ازمنة فرجينيا يتطامن مع الباعة والرعاع ويتزوج بناتهن سرا ... هاه .. هاه ...هاه ... وعندما يقهقه يتكاثر على انفه النمش وتحضر جوقة نسائه , الا انت , كلهن جوار في مملكتك , كما جاء في الحوار بين المخرج وفرجينيا , صناديقه تناسلت فيها الدراهم , وانا اكتظ عقلي بكتل من الرمان الحجري الذي تناثر حبات من الجمر , جمر الفقراء ... استلقي وامامي الصورتان الفوتوغرافيتان مكبرتان جدا – زوم ان – صورة الذي يسحب عربة الرمان وهو يبدو في بروفيل بكامل هيأته النظرية وصورة الوجه المنمش ...وانا استلقي بينهما...صورة ثالثة ...رجلان ... زمنان ...خشبتان ...امرأتان : فرجينيا / انا , ثم : انا / امي .. وهكذا....
الحصى المندى حول المدخل , زهر الخريف تقطفين , تعودين اليه بباقة, اتثقين بقدرتك على اجتياز المسافة , والغيم يحتشد والريح تصفر , وانت تكتفين بشطيرة باردة تقضمينها دون ان تتنبهي لهمساتهن باروكة فرجينيا وولف يرتدينها وانوفهن تطول كأنفها , وتتأملين كيف تمتد الكف الراعشة لتخرج المرآة واصبع احمر الشفاه ,, وقلم الظلال , والضيق على الصدر , والقهوة الباردة , والأحمر على حافة الكوب وعلى عقب السيجارة , اتدخنين ؟ لكنه مازال يضحك في غرفته , مازال يسمع همسها , يرمق ضيق فستانها , السوق بلا حدود , الباعة يصرخون ما ان تمر بفستانها الضيق , الشعر الأشقر يتطاير , والرجل يدفع العربة من جديد, " انه ليس ابي .. ليس ابي .. صدقني .. انني رأيت مالم يره سواي , رأيته يحتشد كدمعة في المآقي , رأيته زنبقة تنتشي بالدفء ودونها الموت , رأيته غربة مع مطر تشرين , رأيت ملامح الصبا ونزق العمر العابر في نومي فتصطف هي والباعة تشهد صعود العربات المحملة بالصناديق على جسدي وتعود مرارا حتى تسحق عظامي , لكنني انهض مستفزة لأوقد شموعا جديدة للأنتظار حتى يأتي من جديد لتنزل الى المياه " ... السيدة دالاواي كنت انا او امي او انوثة فرجينيا ... الأم المنتحرة او انا النائمة المخدرة...".
هل رأيت ذلك الأنحسار , سداد هائلة , مياه متلاطمة والذي يبلغ الصخور منها نزر يسير , تنزل , يمسك يدي , الف عنقي بشال يضربه الهواء , ننزل الى الحصى الغارق بالمياه , نبتعد ونضحك ونلتذ ببرد المياه لكن السداد الهائل يحول , لنجرب العوم , لكنه بدا شائخا وذاويا وانا ازداد تمسكا بغايتي , اتجربين ثانية ؟( هاانت .. جرداء كأشجار كانون , الطلاق مفهوم زئبقي , مثل دود ارضي يتلوى في جسدك ورأسك ... فتنتك اين تكمن ؟ ) , كلا , اجل , وهم , ودفاترك , قالت المرأة عند محطة الأنتظار ( لقد قرفوا طريقهم اليومي ) , المسافرون يحتشدون , وانت بفستانك الضيق لاترين سوى وجهك الذي يرمقه , اتفعلينها ثانية ؟ هل رأيت امرأة قبضت على قلبها وانتزعته ورمته من اعلى السداد الهائل لينزل قانيا داوي النبض مؤتلفا مع الرعد والريح والغربة واصداء الراحلين والورق المدعوك والزغاريد المخنوقة , ورقة الزواج وورقة الطلاق (طلاق / زواج ) وبالعكس , لم يبق غير النمش على مدخل المدينة ... النمش وعفونة الغرف المغلقة والفعلة السريعة ذاتها والبصقة على ارضي ..بنزل ... حصاة ندية غارقة في المياه الحمراء ثم ليصبح صخرة تحتشد عندها الحروف , بل حرفين اخرقين محفورين ناشبين في غربة بلا حدود , ام تراك حملته ودفنته في تراب ندي ليلتحم مع جذور غضة لزهور خريفية متراعشة , اتراك فعلتها وهاانت تضحكين اذ تشيرين الى موضع القلب لتقولي انها قطعة حجر فحسب مثل قلب فرجينيا ساعتها , وانت تندفعين مقبلة صور شابة يافعة في اروقة الجامعة , او وسط منتدى الطلبة حيث الضحكات الجذلة , وكلمات العشق الخجول , اما انسحاق عظامك او انزواؤك , او صورتك مجردة من كل شيء على مرآة باردة او احتشاد قرارك في صعود مجنون باتجاه بابه تطرقينه وتتدفق الدهشة على وجهه , اهذا انت ؟ قال الرجل وهو يدفع العربة , اهذه انت ؟ سألت التي اخرجت اصبع احمر الشفاه : اهذه انت ؟ الجدار البرتقالي والسدة الضخمة والمياه والشجيرات وآخر العربات المسافرة , اصداء لخسران ومغامرة كنفخ في الرماد ..لا .. اصعدي السلم واطرقي الباب كما انت جرأة افتراضية مقررة على النساء في الملف المذكور آنفا , اطلقيها في وجهه , وانتظري لحظات فأما ان تهمسي في اذنه فيضحك ملء قلبه ويراك كما لم يرك ابدا , في تألق زهرة البنفسج وانفتاح القمر الوردي واحتشاد الدفء في غرفتك الباردة التي ضربتها الريح طويلا , بنوافذها المشرعة وستائرها السائبة , تابعي خطوك اليومي , وانت تتأهبين للنزول الى المياه , ام تراه شتاء قاس , اتنتظرين مزيدا من الثلج والريح والرعد حيث تحتشد كلها في دفاترك وفي ثنيات قمصانك , وفي خصلات شعرك , قال القاضي , ( انت طليقة ) , كان الشاي ساخنا , قرب الباب شيوخ يحتسون ويدخنون وانت تمرين بفستانك الضيق وتصعدين اليه لتخرجي حشدا من اصوات الباعة , وانين امرأة سحقتها العربات ... اتجربين ثانية ايتها المعتوهة , لكنك ترتدين نظارة لقصر النظر هذه المرة , وخصلات الشيب اكثر التماعا , وكفك باردة واوراقك مدعوكة , بدوت في درس جديد عند السد الضخم , حيث تحتبس المياه وحيث تبدو فرجينيا وولف مثل جنية تخرج من المتنزه , بموازاة نعش امك لكنها تلامس جسدك تماما وتحثك على المغامرة .. طرقت الباب ولم يجب , وكررت ودوى الطرق في الغابات المسحورة وعلى المقاعد الخشبية الباردة , وعند السد المحتبس بالمياه , وعند الصخرة المتعملقة وفوق العربات التي اكلت عجلاتها طرقات الزمان , وعلى الحصى المبتل , وخلل النوافذ اذ تطل الأم المتضرعة الوحيدة , تطرقين , تطرقين , الباب موصد , الأشياء مقفلة تماما , تدفعين الأبواب المقفلة , وانت بفستانك الضيق , تدفعين بقوة وتطرقين ولكن ثمة ضحكات خلف الأبواب , وثمة همس محموم ولا احد سواك ...
1992

القصة من مجموعة صعود القمر
اللوحة للفنانة التشكيلية العراقية عفيفة لعيبي