Monday, August 27, 2007

طفل الأمبراطورية THE EMPEROR`S CHILD


طفل الأمبراطورية

(اهداء :الى اطفال العاصفة الذين تشربوا اليورانيوم المنضب قهرا نخب السادة الكبار).
................................................................................................
عنــدما بـزغت شمس الإمبراطورية تكاملت البهجة وأنتشت روح جديدة ، روح مجيدة طالعة ، فـريده ، تحفها أصوات الكـرنفال وخطب المشـاركين الكبار في صنع ذلك المجد الباهر الكبير، أفــواج المبوقين وضاربي الطبول الأبنـاء الأشــاوس الذين صنعوا ذلك الوجود الفـريد .. كلهم جميعا يلتقون على صعيد واحد ، صعيد التمجيد والمباهاة ، الناس كبـاراً وصغارا ًومن شتى الأجنــاس ينشـدّون كما تنشـدّ الفراشات للضوء ، هاهم ينشـدون طـائعين متغنين لهذا الذي يـرونه ويسهمون في صنعه بحماسهم وصراخهم وصخبهم ونشـوتهم وغرابة أطوارهم ، يلوذون بالغابات والأماكن الـرخوة البعيدة ويختلـون مع أنفسهم ومـع أقرانهم ليؤججوا ذلك الأوار العارم الذي جاءت به الإمبراطورية وحتى أولئك الحـراس القدامى وهم يجولون بحواماتهم أو مركباتهم العابرة يشـدون على أيدي أولئك الأبناء عشاق الإمبراطورية الذين يلعقون حـلاوة أيامها ويلتهمون مكاسبهم ولا يتوانون عن التعبيـر عـن أنفسهم بالشعـوذة والجمـوح والضجيج والافتعال .
وهنـاك غير بعيد عن شمـس الإمبراطورية وكـرنفالها في أمـاكن مخبأة نائية ظليلة يغمرها الدفء وتغشـاها الحـركة الـدائبة..
هنــاك .. كانـوا يتوارون عـن الأنظــار بأقنعتهم وبزاتهم الغـريبة .. ثلّة من الكائنـات الصـامتة التي تمشـي داخـلة خارجة ، طالعة هابطة بلا هوادة .. هنـاك .. كانـوا يدبـّون كالخرافة ويصنعون للإمبراطورية مصدّاتها الشوكية .. صولجانها .. وذراعها القاسية كانوا يستخلصون من خطاب الإمبراطورية وبرتوكول المستشارين حقائق مؤكدة .. ليست المصدّات الشوكية ألا إحداها .. ولذا امتدت الرحلة طويلاً بأولئك الأشخاص الصامتين القابعين في القاع .. الذين يصنعون المصدّات الشوكية ولذا كان من دلالات كل ما أدركوه أن قوة ما .. غاشمة مجهولة .. أن لم تكن هناك في مرمى البصر حاقدة عدوة .. فيجب صنعها لتجريب المصدّات الشوكية في أجساد أفرادها .. يجب أن يعلنــوا إلى الأبـد أن الإمبراطورية تملك أسرارها التـي تنتظم لها المجالات والفضاءات والبــلدان ..
ولــذا مر حشد من المشاورين الكبار ببدلاتهم السوداء وأحذيتهم اللماعة ذات الأعناق الطويلة ورؤوسهم الصلعاء …مروا مثل سحابة كحلية هبطت على الأرض القفراء على رمال الجزيرة البعيدة ..وجاءوا بأشباه السحرة الذين يرون ما يكمن في القاع من عين خفية ..عبر مهاميز ومجسمات ترتبط بكوكب الإمبراطورية أو حزمة أقمارها المسؤولة عن الوشايات والنبش في أحوال الناس عن بعد .. وبعدما ما هبط أولئك المشاورون مرت بالقرب منهم قافلة من الجمال الضالة .. وتأكـدوا أن مثــل هذه الظـواهر لا ينبغي لها أن تكون أو تستمر .. فلا حيـوانات ضالة .. ولا أحد من حقه في هذه الفلاة أن يقول أن الرمل لي .. فالـرمال ملك للطبيعة ولكلّ امرئ الحق في أن يـرتمي عليها ويغوص في أعماقها .. ولذا كانت المصدّات الشــوكية هي الأداة المناسبة لوضع كلّ شئ في نصابه .. إذ بهــذه الاسواط التي يسخر حاملوها بأنها ( سلَطَة ) منوّعة من المعادن الكوكبية تم صنع تركيبة خاصة منها تنطلق عن بعد عبر الفضاءات ومدى القارات وتستقر حيث تشاء لتفتك بذلك الرمل السائب . تبقـى كامنة فيـه دهــوراً طوالا ًفلا يقـوى من لا يرغب في الإمبراطورية إلا أن يسلم بحقّها في كـل الأشيــاء .
والمهم عند ذاك .. أن محصلة أخرى كانت تتخلق وهي ذلك الرذاذ الجميل الذي صنعته الإمبراطورية بصبــرها وكدّها .. الــرذاذ الذي يمر كسحـابة العطر على شتى البقاع..
***
ولذا صنعوا هناك سحابة صغيرة اهدوها لغلام يافع من تلك البلاد البعيدة .. جاؤا به حافيا ًجائعا ًخائفا ًدون أب ولا أم .. إذ تـاهوا كما تاهت الآلاف المؤلفة في البيداء وحفت بهم المصدّات الشـوكية وأبقتهم كما هـم أرواح طائـرة تتسـامى في الملكوت .
أما الغلام فكانت حاله نتاجاً لعبقرية جديدة .. أن يعبروا له عن ذلك الإحساس الإنساني النبيل فيهدونه غيمة عطر داخل علبة براقة جميلة ومتى اشتاق لها فتحها فلفحته بغبارها الجميل .. ولانّ أولئك الذائدين عن الطفولة الجريحة هم أكثر عطفا ورقّة حاشية فقد أرادوا تخليص الأولاد من عبث آبائهم وشجن حياتهم .. لذا وجدوا { الغلام الإمبراطوري الجديد} ضالّتهم هكذا أسموه وجدوا فيه ما يحقق الأحلام كلها ..
لذا اكثروا من حوله علب الغيوم الماطرة بالرذاذ والغبار الجميل وسط هذا وقبل أن ينغمر الغلام في تيه تلك السحابة الحالمة أقيم الكرنفال السري الذي بموجبه ستغمر غيوم الإمبراطورية المخبأة أفق الأقوام الأخرى لتضلل غمامات العطر مزيداً من الأولاد اليافعين .. كان احتفالاً صامتاً توارى فيه المشاورون والغرباء خلف واجهات زجاجية ضخمة وأختبأوا في صناديق بلورية وارتدوا واقيات وكمامّات مزودة بخراطيم حلزونية طويلة وقرون استشعار متعددة .. وكان أنصاف السحرة بملامحهم الهجينية يعدون العدة لما سيجري وسط شاشات عملاقة شكل الرمل قاعدتها فيما بدت هناك أبراج كبيرة ومراجل ومستودعات ولاحت في الآفاق طيور حديدية نفثت حمماً فظيعة وتلوت وصعدت وهبطت وخلفّت ورائها سحبا ًصغيرة مخصصة للأجيال الطالعة من رحم الإمبراطورية . سرت في دخيلة القوم إمارات السرور وخيلاء الانتصار .. وهم يرون الطيور المسحورة تفتك بتلك الأرض الصحراوية وتستبدل شمسها الساطعة وهوائها النقي بالسحاب الإمبراطوري والرذاذ المعطر.. وتغرس هنا وهناك مصدات شوكية ولوده ستبقى إلى عدة مليارات من السنين وهي تتناسل وتكثر .وفي أفق رمادي مغلق جاءت رافعات آلية بجسد ذلك الغلام العاري وبمجرد أن تعرض للموج المنضب حتى طفى على سطح هلامي سابحاً في موج هيدروجيني كاشفاً عن أعضائه كلها وراحت تنبت في خلايا الغلام مصدات شوكية معدنية صغيرة سرعان ما تتعملق وتمتلك رؤوسا كرؤوس الشياطين .. بينما كانت صناديق الغيم تنفتح على التوالي وتنطلق منها تلك السحب المعطرة .. والغلام يجري تحليله إلى عناصره بينما كان نشيد الإمبراطورية المهيب ينطلق في الفضاء الشاسع وسط نشوة الانتصار بولادة طفل الإمبراطورية الناضب الذي صار له نصب كبير وارتبط باسمه ووصفه بعشرات الآلاف من الأطفال في شتى بقاع الأرض الذين يجري رزقهم بالغيم المعطر ، وإهدائهم الصناديق البراقة ويجري تدريبهم وتهيئتهم لتقبل المصدّات الشوكية في أجسادهم الرخوة كي يكونوا رمزاً للإمبراطورية التي يحفها الحفاة والعراة والأباطرة على السواء وهم يلمحون صباحها البنفسجي وموسيقاها وعبقريتها وشراب الرفاهية الذي تسقيه للخواص من أصدقاء ارض الإمبراطوري.
***
في المدى المجهول .. كان هنالك رجل صغير وأم نحيفة يطلون عبر الفضاء الصحراوي القاحل ويحملقون في السماء البعيدة منتظرين قدوم الغلام الذي غشته غيمة الإمبراطورية وظنوا إنها مجرد سحابة صيف عابرة لكنهم وعبر المدى رأوا أفواجاً من الرجال الصغار والنساء النحفيات وهم ينتظرون أبنائهم الذين التحقوا بطفل الإمبراطورية الناضب.
2000
القصة من مجموعة قربان المدن السعيدة
اللوحة للفنانة التشكيلية عفيفة لعيبي